التعليم عن بُعد.. الحل المثالي لمواجهة انتشار كورونا

يبدو أن انتشار فيروس كورونا الجديد المعروف علمياً بـ (COVID-19) سيغيّر الكثير من ملامح العالم كما نعرفه اليوم. ليس فقط على الصعيد الصحي، لكن أيضاً على الصعيد التعليمي والتربوي.

فمع انتشار فيروس كورونا في العالم، أُجبرت الحكومات ووزارات التعليم على اتخاذ إجراءات من شأنها الحد من انتشار الفيروس بفرض خطة التباعد الاجتماعي من خلال إغلاق المدارس والمؤسسات الغير أساسية والمطاعم والمقاهي ومحلات الترفيه والنشاطات الرياضية والنوادي وغيرها، ولم يمر وقت طويل حتى أغلقت غالبية دول العالم المدارس والمعاهد والجامعات، مما أثر على أكثر من مليار طالب في جميع أنحاء العالم، وليس هناك من معطيات واضحة حول فترة الإغلاق ولا عن موعد محدد للعودة إلى المدارس.

لكن من المؤكد أن تأثير الكورونا سيكون كارثياً على الدول والأنظمة التعليمية، خاصةً تلك التي ليس لديها القدرة على الصمود نتيجة عدم قدرة البنى الأساسية للاستعاضة بالتعليم عن بُعد عن التعليم بالطريقة التقليدية، وضعف أو إنعدام فرص الوصول إلى التكنولوجيا لدى معظم الأسر، وأولئك الذين لا يملكون أهم عنصر في هذه العملية وهي الإنترنت ذات النطاق العريض أو الهواتف الذكية، فضلاً عن عدم وجود منظومة إعداد أساسيات التصميم والتخطيط والتدريس الافتراضي أو التدريس عن بُعد، يضاف لذلك عدم وجود كوادر متخصصة في استخدام التكنولوجيا الرقمية الكفيلة بإعداد الدروس ونشرها على مواقعها في الإنترنت.

إن إغلاق المدارس لفترة طويلة سيؤدي لخسارة المكاسب التعليمية التي تحققت بجهود الكوادر التدريسية وعملها المُضني في إيصال المعلومة للمتعلّم، وضياع وقت ثمين من التخطيط واعداد أفضل الجداول للخطط الدراسية، مما قد يضطر إدارات المدارس لإعادة بعض الدروس التي تمت دراستها قبل الأغلاق.

ما هو التعليم عن بُعد؟

يمكننا تعريف التعليم عن بُعد بأنه نمط من التعليم يهدف إلى الوصول بالمعلومة من المُعلّم للطلاب عندما يكونوا متواجدين في منطقة جغرافية مختلفة. ويتم اللجوء للتعليم عن بُعد عند تعذر وسائل التعليم التقليدية نتيجة ظروف اجتماعية أو صحية أو سياسية.

ومن الأخطاء الشائعة بخصوص التعليم عن بُعد أنه لا يُعتبر مرادفاً للتعليم عبر الأنترنت. حيث أن التعليم عبر الأنترنت يعتبر نوعاً من أنواع التعلّم عن بُعد. فقديماً كان يتمُّ التعلّم عن بُعد من خلال شرائط الفيديو أو الكاسيت أو حتى التعلّم من خلال ارسال المواد التعليمية عن طريق البريد، كما هو الحال عند جامعة (The Open University) التي تأسست سنة 1969. ولا ننسى القنوات الفضائية التعليمية التي انطلقت في العالم ومنها الفضائيات التعليميّة العربية والتي في معظمها حكومية تدرّس المناهج المعتمدة في تلك الدول.

لماذا نلجأ للتعليم عن بُعد؟

من أهم مميزات اللجوء للتعليم عن بُعد في هذه الفترة:
·      حماية المعلمين والطلاب على حد سواء من التعرض للعدوى بفيروس كورونا. حيث تلجأ الدول اليوم للحدِّ من تجمع المواطنين في المناطق المزدحمة، مثل أماكن العمل والمواصلات العامّة والمدارس.
·      القدرة على الاستمرار في تدريس المقررات التعليمية على الرغم من توقّف الدراسة بشكلها النمطي. ما يجعل العملية التعليمية تستمر دون مشكلات أو خسائر.
·      توفير موارد العملية التعليمية التقليدية مثل طباعة الكتب والمواد الدراسية. حيث تتحول كل هذه الأمور لأدوات بديلة أكثر توفيراً.
·      التعليم عن بُعد يفيد الطلاب في تعلم مهارات البحث وحل الواجبات المدرسية بأشكال مختلفة عن الأشكال التقليدية. ما يزيد من حصيلتهم العلمية والعملية على حد سواء.

دور المدارس التكميلية العربية في التعليم عن بُعد

كلنا يعرف الصعوبات التي تواجهها هذه المدارس في صراعها من أجل الإستمرار في فتح أبوابها أمام أبناء الجاليات العربية رغم كل ما عانته وتعانيه من قلة الموارد المادية والأساسية، كجودة المناهج وخبرات الكوادر التدريسية القليلة وعدم وجود مقر أو عنوان ثابت لها، بسبب عزوف بعض المدارس عن السماح لهم باستئجار بناياتها.
وجاءت أزمة كورونا لتضيف أعباءً إضافية على المدارس العربية التكميلية بسبب عدم وجود خطة طوارئ أو حالة تأهب لمواجهة أضرار الإغلاق. فمعظم هذه المدارس ليس لها مواقع على الإنترنت، وإن وُجِدَ فلا يُحدّث بانتظام، فضلاً عن عدم وجود منصة مؤهلة لبث الدروس وتفعيل خاصية التعليم عن بُعد.

وهنا اقتراحات يمكن للمدارس الإستفادة من بعضها في الوقت الحاضر:
·      التواصل مع الطلاب، من خلال أولياء الأمور، عن طريق الرسائل النصية، وارسال تفاصيل الواجبات البيتية من دروس الكتب أو المناهج التي بحوزتهم، أو إرسال نسخ مصورّة من مناهج أخرى مُساعِدة.
·      إضافة صفحة على موقع المدرسة على الإنترنت خاصة بالواجب البيتي، مثل هذه الصفحة أو ما شابهها.
·      تسجيل صوتي لبعض الدروس، خاصة دروس القراءة، وارسالها للطلاب عن طريق الرسائل أو نشرها على موقع المدرسة.
·      إرشاد الطلاب عن أهم المواقع التعليمية المفيدة، خاصة تلك التي تدعم تعليم اللغة العربية، مثل موقع توينكل كي يستفيدوا منها.
·      اختيار القصص العربية المصوّرة الهادفة والمناسبة وارسالها للطلاب، حيث تزخر الإنترنت بمواقع تحوي قصصاً مفيدة ومسلّية، مثل موقع ملزمتي وغيره.
·      الإستفادة من فترة الحجر المنزلي لحث الكوادر التدريسية وإدارات المدارس على التسجيل في دورات دراسية من أجل تطوير قدراتهم في مجالات علمية عديدة، أهمها أساليب التعلم عن بُعد، مثل موقع Future Learn  وموقع Tellal الذي يشرح سبل الاستعداد للتدريس الافتراضي.

وفي الختام وعلى الرغم من الآثار السلبية التي أوجدها انتشار وباء كورونا على العديد من نواحي المجتمع، لكنه ربما سيؤثر إيجابياً على تعزيز مستوى التأهب والتطلّع نحو المستقبل وتسريع وتيرة انتقال المدارس التكميلية العربية للتعليم عن بُعد، وتطوير مواقع المدارس على شبكة الأنترنت.

شاكر شَبَعْ
مدرسة كرويدن للدراسات العربيّة والكرديّة